الصفات الفيزيائية لسائل الدم

الصفات الفيزيائية للدم

يُعدّ الدم أحد أهم مكونات الجسم البشري وأكثرها حيوية، فهو النسيج السائل الذي يضمن استمرارية الحياة من خلال نقله للأوكسجين والمواد الغذائية والهرمونات، بالإضافة إلى دوره الأساسي في الدفاع المناعي والتوازن البيولوجي. لفهم وظائف الدم على نحو دقيق، لا بدّ من تحليل صفاته الفيزيائية، إذ إن هذه الصفات تُشكل حجر الأساس في تفسير سلوكه داخل الأوعية الدموية واستجابته للتغيرات البيئية والمرضية. يتكون الدم من عناصر خلوية معلقة في بلازما سائلة، وتؤثر صفاته الفيزيائية على فاعلية وظائفه الحيوية.

في هذا المقال، سنتناول بتحليل موسّع ودقيق أبرز الصفات الفيزيائية للدم، وهي: اللزوجة، الكثافة، الحجم، اللون، درجة الحرارة، الأس الهيدروجيني (pH)، التوتر السطحي، وقابلية التجلط، مع تضمين معلومات متعمقة مدعومة بالمراجع الحديثة في علم وظائف الأعضاء والفيزياء الحيوية.

اللون

اللون هو أولى الصفات الفيزيائية الملاحظة للدم. يتراوح لون الدم بين الأحمر القاني والأحمر القاتم حسب درجة تشبعه بالأوكسجين. الدم المؤكسج (كما في الشرايين) يكون لونه أحمر فاتح، في حين أن الدم غير المؤكسج (كما في الأوردة) يميل إلى اللون الأحمر الداكن. يعود هذا اللون إلى وجود الهيموغلوبين، البروتين الحامل للأوكسجين في خلايا الدم الحمراء، الذي يتغير لونه حسب اتحاده أو انفصاله عن جزيئات الأوكسجين.

ويتأثر لون الدم أيضًا بعوامل مرضية كفقر الدم أو ارتفاع نسب الميتيموغلوبين (methemoglobin)، الذي يُكسب الدم لونًا بنيًا غير طبيعي، أو في حالات التسمم بغاز أول أوكسيد الكربون، حيث يتحول لون الدم إلى الأحمر الكرزي الساطع نتيجة تكوّن مركب كاربوكسي هيموغلوبين.

اللزوجة

اللزوجة هي خاصية أساسية تصف مقاومة السائل للجريان. والدم بطبيعته أكثر لزوجة من الماء بحوالي 3 إلى 4 مرات، وتُقدّر لزوجته عند درجة حرارة الجسم (37 درجة مئوية) بحوالي 3.5 سنتي-بواز (cP)، مقارنة بلزوجة الماء التي تبلغ تقريبًا 1 سنتي-بواز.

تعتمد لزوجة الدم على نسبة الخلايا المعلقة فيه، وخصوصًا تركيز كريات الدم الحمراء، وهو ما يُعرف بنسبة الهيماتوكريت. كلما ارتفعت نسبة الهيماتوكريت زادت اللزوجة، مما يؤدي إلى زيادة المقاومة لجريان الدم، وقد يُسبب ارتفاع ضغط الدم أو مشكلات في التروية. كذلك، تؤثر البروتينات البلازمية (مثل الفيبرينوجين والألبومين) على اللزوجة، حيث تزداد اللزوجة في حالات الالتهاب أو المتلازمات الدموية المزمنة.

وتُعد اللزوجة عاملاً حاسماً في الديناميكا الدموية (hemodynamics)، حيث تؤثر على مقاومة الأوعية الدموية وسرعة تدفق الدم، وتلعب دورًا مهمًا في الأمراض القلبية والوعائية.

الكثافة

كثافة الدم هي كتلة وحدة الحجم منه، وتُقدّر عادة بنحو 1.050 – 1.060 غرام/سم³، وهي أعلى من كثافة الماء. ويعود ذلك إلى محتواه من الخلايا والبروتينات والعناصر الذائبة. تختلف كثافة الدم قليلًا بين الذكور والإناث تبعًا للاختلاف في تركيز الهيموغلوبين وعدد كريات الدم الحمراء.

وتؤثر الكثافة على معدل الترسيب وحركة الدم في الأوعية الدقيقة، وتلعب دورًا في تحديد التوازن الهيدروستاتيكي والتناضحي بين البلازما والسوائل بين الخلوية.

الحجم (حجم الدم الكلي)

يمثل الحجم الكلي للدم في الإنسان البالغ حوالي 7 إلى 8% من وزنه، أي ما يُقارب 5 إلى 6 لترات. ويختلف هذا الحجم حسب الجنس، حيث يكون أعلى في الذكور، ويزيد كذلك عند الرياضيين أو في حالات فرط التروية، بينما ينخفض في حالات الجفاف أو النزيف أو الصدمة.

وينقسم هذا الحجم إلى عنصرين رئيسيين:

• البلازما (Plasma): تشكل نحو 55% من حجم الدم وتحتوي على الماء، الأملاح، البروتينات، المواد المغذية، الهرمونات، والفضلات.

• العناصر الخلوية (Cellular Elements): وتشمل كريات الدم الحمراء (حوالي 45%)، وكريات الدم البيضاء، والصفائح الدموية.

ويؤثر التوازن بين البلازما والخلايا على صفات أخرى مثل اللزوجة والضغط الاسموزي ومعدل تدفق الدم.

درجة الحرارة

الدم عامل مهم في تنظيم حرارة الجسم. وتبلغ درجة حرارة الدم الطبيعية حوالي 38 درجة مئوية، أي أعلى قليلاً من متوسط درجة حرارة الجسم (37 درجة مئوية). يعود هذا الاختلاف إلى أن الدم يعمل كنظام نقل حراري فعال، حيث يلتقط الحرارة من الأنسجة النشطة وينقلها إلى الجلد والأعضاء للتبديد أو الاستفادة.

ويلعب الدم دوراً محورياً في عملية الاتزان الحراري (thermoregulation) من خلال التمدد أو التضيق الوعائي، كما يتأثر بدرجة حرارة المحيط والنشاط البدني والهرموني.

الرقم الهيدروجيني (pH)

الرقم الهيدروجيني للدم من أهم المؤشرات الحيوية على التوازن الحمضي القاعدي في الجسم، ويتراوح بين 7.35 و7.45. يُعتبر الدم سائلًا قاعديًا ضعيفًا، ويخضع لتنظيم صارم عبر أنظمة تنظيمية حيوية دقيقة تشمل:

• نظام البيكربونات: الذي يعمل على معادلة الأحماض الزائدة.

• تنفس الرئتين: الذي يساهم في إخراج ثاني أكسيد الكربون، أحد مكونات الحموضة.

• الكلية: التي تساهم في طرح أو إعادة امتصاص الأيونات المنظمة للحموضة.

أي انحراف في الرقم الهيدروجيني خارج هذا المجال يُعدّ مؤشراً على اختلال فسيولوجي خطير، وقد يؤدي إلى حالات مثل الحماض (acidosis) أو القلاء (alkalosis)، ما يؤثر على أداء الخلايا الحيوية والأنزيمات.

التوتر السطحي

يُقصد بالتوتر السطحي مقدار التماسك بين جزيئات السائل، ويُقدر في الدم بنحو 0.058 نيوتن/متر عند درجة حرارة الجسم، وهو أقل من توتر الماء. تؤثر مكونات البلازما والبروتينات الذائبة في خفض التوتر السطحي، مما يسهل تداخل الدم مع جدران الشعيرات الدموية ويُعزز من كفاءته في التروية.

التغير في التوتر السطحي يُعتبر مؤشرًا حيويًا في حالات فقر الدم، أو تواجد مركبات دهنية زائدة، أو في بعض الاضطرابات الكبدية والكلوية التي تؤثر على نسب البروتينات.

التوتر الأسموزي (Osmotic Pressure)

يتعلق التوتر الأسموزي للدم بتركيز المواد الذائبة في البلازما، ويُقدر في المعدل الطبيعي بنحو 285 – 295 ميلي أوسمول/كغ. هذا التوتر مسؤول عن حركة الماء بين الأوعية الدموية والخلايا.

يُساهم بروتين الألبومين بنسبة كبيرة في ما يُعرف بالتوتر الغرواني الاسموزي (oncotic pressure)، الذي يمنع تسرب الماء من الأوعية إلى الأنسجة. اختلال التوتر الأسموزي يؤدي إلى وذمات (edema) أو جفاف خلوي حسب اتجاه الحركة المائية.

الضغط الهيدروستاتيكي وضغط الدم

الضغط الذي يمارسه الدم على جدران الأوعية يُعرف بالضغط الهيدروستاتيكي، وهو مرتبط بعدة عوامل تشمل لزوجة الدم وحجم السائل وقوة ضخ القلب. يبلغ متوسط ضغط الدم الشرياني في الإنسان الطبيعي حوالي 120/80 ملم زئبق.

وتؤثر الصفات الفيزيائية الأخرى للدم بشكل مباشر في هذا الضغط، حيث تُعد اللزوجة والكثافة والعناصر الخلوية من المحددات الرئيسية للمقاومة المحيطية التي تؤثر بدورها على الضغط العام.

قابلية التجلط

رغم أنها ليست صفة فيزيائية محضة بالمعنى التقليدي، إلا أن قابلية التجلط تمثل سلوكًا فيزيائيًا مهمًا للدم عند التعرّض للهواء أو إصابة الأوعية. تعتمد هذه الخاصية على وجود عوامل التخثر والصفائح الدموية والبروتينات المنظمة، وتُعد ضرورية للحفاظ على استقرار الدورة الدموية ومنع النزيف.

جدول مقارنة الصفات الفيزيائية للدم مقابل الماء

الخلاصة

الصفات الفيزيائية للدم ليست مجرد مؤشرات مخبرية بل هي عوامل حيوية تتكامل لتُحقق التوازن الحيوي وتُسهم في تأدية جميع وظائف الجسم الداخلية بكفاءة. من خلال فهم هذه الصفات، يتمكن الباحثون والأطباء من تحليل وتشخيص الحالات المرضية بدقة أكبر، إذ إن أي تغير في واحدة من هذه الخصائص قد يكون دلالة على اضطراب جهازي واسع التأثير. ويُعد الدم نموذجاً مثالياً لنظام حيوي متكامل تتجلى فيه قوانين الفيزياء والبيولوجيا في أدق صورها.

المراجع:

1. Guyton, A. C., & Hall, J. E. (2020). Textbook of Medical Physiology (13th ed.). Elsevier.

2. Tortora, G. J., & Derrickson, B. (2019). Principles of Anatomy and Physiology (15th ed.). Wiley.